اللقاء الايمانى مع فضيلة الدكتور اسماعيل أحمد اسماعيل مرشدي
اعداد _ أشرف المهندس
أولا:- أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ الْخُلُقِ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاتِهِ « وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِى لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ». لَقَدِ امْتَدَحَ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَى نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم لِكَمَالِ خُلُقِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾. تَقُولُ عَائِشَةُ حِينَمَا سُئِلَتْ: كَيْفَ كَانَ خُلُقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ». كَانَ قُرْآنًا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ؛ أَيْ: أَنَّهُ عَمِلَ بِأَخْلَاقِ الْقُرْآنِ، فَتَمَثَّلَ آدَابَهُ وَامْتَثَلَ أَوَامِرَهُ. وَكَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ بِيَدِهِ. وَمِنْ خُلُقِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُرَى إِلَّا مُبْتَسِمًا، فَلَمْ يُفَارِقِ الْبَهَاءُ جَبِينَهُ وَلَا النُّورُ طَلْعَتَهُ، لَمْ يَقْهَرْ يَتِيمًا، وَلَمْ يَنْهَرْ مِسْكِينًا، بَلْ كَانَ بِنَفْسِهِ يَسْعَى فِي خِدْمَةِ الْمُحْتَاجِينَ، وَيُوَاسِي الْمَنْكُوبِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَضْعَفِينَ. وَكَانَ أَكْرَمَ الْخَلْقِ نَفْسًا صلى الله عليه وسلم ، قَالَ جَرِيرٌ « مَا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا تَبَسَّمَ»، وَكَانَ مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ صَحَابَتِهِ عَادَهُ، وَإِنِ افْتَقَدَهُ سَأَلَ عَنْهُ. وَكَانَ أَرْحَمَهُمْ قَلْبًا، يَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِهِ إِذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، كَرَاهَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ، وَكَانَ أَلْيَنَهُمْ طَبْعًا، إِذَا دَخَلَ إِلَى بَيْتِهِ اشْتَغَلَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَكَانَ أَعْظَمَهُمْ صَبْرًا، خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَالْحَجَرُ عَلَى بَطْنِهِ مِنَ الْجُوعِ، فَمَا اشْتَكَى وَلَا تَضَجَّرَ، وَكَانَ أَوْسَعَهُمْ عَفْوًا وأَوْفَرَهُمْ حِلْمًا، قَاتَلَهُ أَعْدَاؤُهُ وَأَدْمَوْهُ، وَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ لَهُمْ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ». ودعاء النبي ﷺ لوالدة صاحبه أبو هريرة فقام بدعوتها إلى الإسلام ومحاولة تحبيبها فيه، ( عن أبي هريرة:”كنْتُ أَدْعُو أُمِّي إلى الإسْلَامِ وَهي مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا، فأسْمعتْنِي في رَسُولِ اللهِ ﷺ ما أَكْرَهُ، فأتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي، قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إلى الإسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا اليومَ فأسْمعتْنِي فِيكَ ما أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقالَ رَسُولُ ﷺ اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بدَعْوَةِ نَبِيِّ اللهِ ﷺ ، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إلى البَابِ، فَإِذَا هو مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقالَتْ: مَكَانَكَ يا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ المَاءِ، قالَ: فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عن خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ البَابَ، ثُمَّ قالَتْ: يا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قالَ: فَرَجَعْتُ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فأتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الفَرَحِ. قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ؛ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه وَقالَ خَيْرًا، قالَ: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إلى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إلَيْنَا، قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هذا -يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ- وَأُمَّهُ إلى عِبَادِكَ المُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إلَيْهِمِ المُؤْمِنِينَ، فَما خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بي وَلَا يَرَانِي إلَّا أَحَبَّنِي”. يعدُّ تصرُّف النبي ﷺ وتصرف الصحابي الجليل أبو هريرة مع أمِّه حين سبَّت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصرُّفاً نابعاً من حُسن الخلق والأدب في التَّعامل كبار السن ومع الوالدين؛ حيث لم يغضب النبي ﷺ لنفسه وراعى نفسية هذه المرأة وراعى صاحبه الذي غضب لرسول الله ، ولكنَّ غضبه لم يجعله يسيء الأدب مع والدته، بل ذهب وطلب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لها.. ثانيا:- بعض فَضَائِلُ حُسْنِ الْخُلُقِ:
1-. أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَبْلُغُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» فَهَنِيئًا لَكَ يَا صَاحِبَ الْخُلُقِ هَذَا الْأَجْرُ الْعَظِيمُ. قال عبد الله بن طاهر, كنا عند الخليفة المأمون يوما ، فنادى بالخادم يا غلام ، فلم يجبه أحد ، ثم نادى ثانيا ، وصاح يا غلام ، فدخل غلام تركي وهو يقول : ما ينبغي للغلام أن يأكل ولا يشرب . كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام إلى كم يا غلام. فنكس المأمون رأسه طويلا ، فما شككت أنه سيأمرني بضرب عنقه ثم نظر إلي فقال : يا عبد الله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه ، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه وإنا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لنحسن أخلاق خدمنا .2-. أَنَّهُ يُثَقِّلُ مِيزَانَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَالَ النبي «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيء»، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَقَالَ: « يَا أَبَا ذَرٍّ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ، وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَطُولِ الصَّمْتِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا عَمِلَ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِمَا». وكان عبد الله بن عمر إذا رأى أحدا من عبيده يحسن صلاته يعتقه ، فعرفوا ذلك من خُلقه ، فكانوا يحسنون الصلاة مراءاة له ، فكان يعتقهم ، فقيل له : إنهم يخدعونك ! . فقال : من خدعنا في الله انخدعنا له . 3-. حُصُولُ الْبَرَكَةِ فِي الدِّيَارِ وَالْأَعْمَارِ، فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا» :إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ». دخل الرشيد يوما على الكسائي وهو لا يراه ، وكان الكسائي معلما لولديه الأمين والمأمون ، فقام الكسائي ليلبس نعله لحاجة يريدها ، فنهض الأميران بعجلة ووضعا النعل بين رجلي الكسائي . بعد وقت جلس الرشيد مجلسه وقال : يا كسائي أي الناس أكرم خدما ؟ قال الكسائي : أمير المؤمنين أعزه الله . قال الرشيد بحسن نية وتوقير: بل الكسائي ؛ يخدمه الأمين والمأمون . وحدثهم بما رأى . 4-. أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْعَمَلِ الْجَنَّةَ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الرَّسُولُ «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»، 5-.أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُرْبِ مِنَ النَّبِيِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا». وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ». عن أبي هريرة قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربط الصحابة ثمامة بن أثال في سارية -أي: في عمود من أعمدة المسجد النبوي- فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد ثمامة مربوطاً في سارية من سواري المسجد فعرفه -لأن ثمامة كان سيداً في قومه- فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال: عندي خير يا محمد! إن تقتل تقل ذا دم! -يعني: إن قتلتني قتلت رجلاً له مكانته في قبيلته، ولن تفرط قبيلتي في دمي وفي الأخذ بثأري -إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنْعِم تنعم على شاكر- يعني: فإن أطلقتني سأعترف لك بهذا الجميل وسأشكره لك ما حييت- وإن كنت تريد مالاً فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثاني دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال له مثل ما قال فتركه صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثالث دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال: ماذا عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك فقال أطلقوا ثمامة .. أطلقوا ثمامة لا نريد فدية ولا مالاً، بل ولا نلزمه بالإسلام، ولا نكرهه على الإيمان فانطلق ثمامة بعد أن فكوا قيده وانطلق إلى أقرب نخل إلى جوار المسجد النبوي فاغتسل، ثم عاد مرة أخرى إلى مسجد رسول صلى الله عليه وسلم, وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله يا رسول الله! والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينُك أحبَّ الدين كله إلي، والله ما كان على الأرض بلدٌ أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إلي! ثم قال: يا رسول! الله لقد أخذتني خيلك وأنا أريد العمرة، وقد كانوا يعتمرون ويحجون إلى البيت وهم على الكفر والشرك. فماذا ترى أن أصنع؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر). قال الحافظ ابن حجر : فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: بالجنة أو بخيري الدنيا والآخرة، أو بمحو سيئاته. يا له من فضل , وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمر، فأقبل ثمامة إلى مكة ملبياً، فكان ثمامة هو أول من جهر بالتلبية في مكة، فأخذته قريش وقالوا: من هذا الذي اجترأ علينا -أي: جهر بالتلبية بين أظهرنا- من هذا الذي يردد الكلمات التي يعلمها محمد -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه؟! فأخذوه وضربوه ضرباً شديداً حتى قال قائلهم: دعوه إنه فلان فأنتم تحتاجون الميرة من اليمامة فجلس ثمامة وهو يقول: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله , من أول لحظة دخل فيها ثمامة الإسلام جعل ووضع كل طاقاته ووجاهته ومكانته وقدراته وإمكانياته في خدمة الدين